قبل 60 يوما على حادثة مصنع العبور، التى راح ضحيتها 25 عاملا، إلى جانب إصابة العشرات، اجتمعت وزيرة القوى العاملة والهجرة ناهد عشرى، بمديرى عموم الوزارة، وشددت على مفتشى السلامة والصحة المهنية بجميع مديريات القوى العاملة والهجرة على مستوى المحافظات بضرورة تطبيق القانون ضد من يتسبب فى إصابة أو وفاة أى عامل.
عشرى استعرضت خلال محضر الاجتماع ما أسفرت عنه حملات التفتيش التى قامت بها وزارة القوى العاملة والهجرة بمحافظة القاهرة، داخل «حى مدينة نصر» فقط، وأعلنت عن تحرير 1596 محضرا لـ868 منشأة مخالفة لاشتراطات السلامة والصحة المهنية، والحماية من الحرائق، منها 30 منشأة ما بين قطاع حكومى وقطاع عام، كما طلبت الوزارة من محافظة القاهرة غلقا كليا لمول تجارى و9 جراجات، و6 دور سينما و3 صالات ألعاب رياضية، طبقا لقوانين تراخيص المحال والعمل رقم 12 لسنة 2003، كما تم التفتيش أيضا على 6000 مدرسة على مستوى الجمهورية، للتأكد من تطبيق اشتراطات السلامة والصحة المهنية، وتم إخطار المحافظين ومديرى مديريات التربية والتعليم بالمحافظات لاتخاذ الإجراءات القانونية حيال المدارس المخالفة.
الوقاية من الحرائق هى مسؤولية وزارة القوى العاملة والهجرة، فى المقام الأول بموجب نص القانون، ويفعل ذلك من خلال تفعيل قطاع التفتيش بالوزارة، لكن الأمر لا يتجاوز الإجراء الروتينى، وفى بعض الأحيان الشكلى، لاستكمال التراخيص المطلوبة للمنشآت الصناعية والخدمية، وهو ما أكده مصدر مطلع بالقوى العاملة والهجرة رفض الكشف عن هويته ، موضحا أن هذا القطاع فى حالة من الغياب التام، بالإضافة إلى أنه باب خلفى للرشاوى والفساد لدى بعض الموظفين، فوزارة القوى العاملة بعد إجراء تفتيش فى أحد أحياء القاهرة كشفت عن 1600 محضرا مخالف لاشتراطات السلامة والصحة المهنية، وهو ما يثبت مدى إهمال هذا القطاع.
المصدر قال إن وزيرة القوى العاملة لم تلتزم بالتقرير السنوى الخاص بوضع السلامة والصحة المهنية منذ 2013 حتى اليوم، وهو تقرير يوضع على أساسه دراسة النسب العالمية للدول التى تخالف الاتفاقيات الدولية بالنسبة لاشتراطات السلامة المهنية فى كل دول العام، لافتا إلى أن الوزيرة ما زالت تماطل فى إعداد هذا التقرير رغم مطالبات منظمة العمل الدولية.
فى الوقت الذى قررت غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى صرف تعويضات عاجلة لمتضررى حادثة العبور التى وقعت قبل أيام، نتيجة حريق هائل نشب بمصنع للأخشاب والأثاث بمنطقة العبور بمحافظة القليوبية، بواقع 5 آلاف جنيه لأسرة المتوفى و1000 جنيه للمصاب وذلك بصفة مؤقتة بإجمالى 147 ألف جنيه قابلة للزيادة، حمل خبراء السلامة الصحة المهنية المسؤولية كاملة لوزيرة القوى العاملة والهجرة ناهد عشرى، نظرا لضعف متابعة وزارة القوى العاملة متابعة هذا الملف.
من جهته أكد مجدى عبد الفتاح مدير مركز البيت العربى للبحوث والدراسات، أن غياب إجراءات السلامة والصحة المهنية فى مصر، هو مسؤولية وزيرة القوى العاملة والهجرة تليها الدولة والوعى الثقافى لأصحاب الأعمال والعمال، مشددا على أن الإحصاءات الرسمية وفق الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تؤكد أن مصر تمتلك 2000 موظف منوط بهم التفتيش على إجراءات السلامة والصحة المهنية لإجمالى عدد المنشآت الاقتصادية فى مصر، التى تبلغ 2.41 مليون منشأة موزعة ما بين 824 منشأة تابعة لقطاع العام والأعمال العام بنسبة 0.03%، بينما بلغ عدد منشآت القطاع الخاص مليونا ونصف المليون منشأة تقريبا بنسبة 99.97% من إجمالى المنشآت الاقتصادية المصرية، وهو ما يعنى أن كل مفتش مسؤول عن متابعة 1200 منشأة على مدار العام دون حساب الإجازات الرسمية، وبالتالى يكون على كل مفتش متابعة 3.5 منشأة يوميا مرة واحدة خلال العام.
عبد الفتاح أوضح أن عدد المشتغلين داخل المنشآت الاقتصادية يبلغ 9.3 مليون، موزعين ما بين مليون داخل القطاع العام والأعمال العام بنسبة 11,2%، بينما استوعب القطاع الخاص النسبة العظمى من العاملين بعدد 8.3 مليون، بنسبة 88.8% من إجمالى عدد المشتغلين داخل المنشأة، مؤكد أن هذا العدد من المفتشين لا يمكن معه الوصول إلى إجراءات تحمى وتصون العمل والمنشآت الاقتصادية فى مصر.
وأضاف عبد الفتاح أن رفض مصر على مدار سنوات التوقيع على اتفاقيتى منظمة العمل الدولية الخاصة بالسلامة والصحة المهنية، يوضح إلى أى مدى لا تهتم الحكومة المصرية بالحفاظ على أرواح العمال والممتلكات، إلى جانب تعدد التشريعات والاختصاصات بين مؤسسات الدولة المختلفة، فقضية السلامة والصحة المهنية تشتبك فيها وزارات القوى العاملة والهجرة والبيئة والصحة والدفاع المدنى، الأمر الذى يصعب معه تحديد جهة بعينها مسؤولة عن إجراءات السلامة والصحة المهنية، فمصر من بين العشر الدول الأولى فى العالم التى تغيب عنها معايير السلامة والصحة المهنية، وحصتها من خسائر غياب السلامة والصحة المهنية من الناتج القومى 1.4 مليار جنيه سنويا نتيجة حوادث وإصابات العمال.
خبير علاقات العمل و تشريعات السلامة والصحة المهنية المستشار عبد الحميد بلال، قال إن لدينا الكتاب الخامس من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، وهو يعتبر القانون المحورى الذى ينظم السلامة والصحة المهنية فى المنشآت، ولعل من أهم قرارات هذا الكتاب أنه لم يفرق بين منشأة حكومية أو قطاع خاص أو نشاط صناعى أو زراعى أو نقل برى أو بحرى أو جوى أو نهرى، فجميع المنشآت والأنشطة فى مصر تخضع لهذا القانون.
بلال أوضح أن الواقع الذى نعيشه يوضح انعدام ثقافة الأمان فى مصر، خصوصا فى الأماكن الحكومية، كما أن الجهاز الوظيفى أو لجنة السلامة والصحة المهنية داخل المنشأة نص عليهما قانون العمل، بأنه لا بد من تدريب أعضائهما تدريبا أساسيا ونوعيا، لكن الواقع أنه لا تتم هذه التدريبات لأن الأعضاء غير متفرغين لهذا العمل، لأنهم من العاملين بالمنشأة نفسها، وأنه من ضمن الاشتراطات التى يضعها القانون إلزام المنشأة من خلال لجنة السلامة والصحة المهنية بها ومقوماتها بوضع خطة طوارئ تناسب أشد الحوادث خطورة، لمعرفة إذا ما حدث خطأ كيف سيكون التعامل معه، وكيف ستتم إدارة الأزمة، ولا بد من تجربة خطة الطوارئ وأيضا خطة الإخلاء لتعميق ثقافة الأمان عند المواطنين، وأيضا اختبار أجهزة الإطفاء وحنفيات وخزانات المياه من حين لآخر، حتى لا تكون هناك مفاجأة وقت الحريق بأن الأجهزة لا تعمل، فقد أصبح من الضرورى الاهتمام بهذه الأمور بلا تراخ ولا هوادة مع التطبيق الفعال للقوانين.
بدورها، قالت راجية عبد الظاهر مدير عام الإدارة العامة للتدريب بالمركز القومى لدراسات السلامة والصحة المهنية، إن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 بالقرار 134، قال إن الكتاب الخامس يقر بأنه ليس له استثناء فى التطبيق وملزم لجميع المنشآت، كما أن هناك منظومة متكاملة لمتابعة سلامة المنشآت بداية من الإدارة العامة للسلامة والصحة المهنية بالوزارة، لها دور مهم فى التفتيش على المنشأة، بالإضافة إلى أن كل منشأة بها لجنة للسلامة والصحة المهنية، وأى مفتش يتبع الوزراة له حق الضبطية القضائية والإبلاغ عن أية مخالفات، وبحث إن كانت المنشأة تستوفى الاشتراطات أم لا، والتى تشمل جميع عناصر المبنى وهى: التهوية، الإضاءة، نظام إنذار، إطفاء آلى، وكل ما يتعلق بسلامة المبنى من مواصفات هندسية. والمفروض أن كل هذا يجب تحديده على الورق، بداية من وضع تصميمات المنشأة، حيث إن كل منشأة يزيد عددها على 50 عاملا لا بد أن يكون بها لجنة سلامة وصحة مهنية، لتقوم بدورها فى متابعة تنفيذ اشتراطات السلامة والصحة المهنية.
مديرة التدريب أضافت أنه من أهم مهام هذه اللجنة أن تقوم بالكشف على إجراءات وأجهزة السلامة داخل المبنى كل شهر فى موعد محدد، وفى حالة وجود أى تقصير ترفع تقريرها إلى المتخصصين، أما الإجراء الذى يجب اتخاذه فى هذه الحالة فهو منح مدة لتوفيق الأوضاع وإصلاح القصور، أو دفع غرامة تتراوح بين ألف و10 آلاف جنيه.