يستطيع الإنسان أن يطلق عليه موسم الحرائق بعد أن تكررت حوادث الحرائق الكبرى فى الأيام الأخيرة ، والتى يعتقد أن ارتفاع الحرارة فى هذه الأيام سببها
وآخرها مصنع النشا في شبرا الخيمة الذى راح ضحيته 6 عمال ، ومصنع الأثاث فى مدينة العبور والذى راح ضحيته 25 عاملا وإصابة 22 آخرين ،وحادث مصنع الكارتون بالعاشر من رمضان، ومصانع الهانوفيل ،وحوادث أخرى فى أنحاء مصر ، وبالرغم من كل هذه الحوادث فإن القاسم المشترك هو الإهمال وعدم التأمين ، بعد أن ثبت أن معظم هذه المصانع لم تحصل على تراخيص أو تضع خططا علمية لتأمين المبانى والعمال أو برنامجا للطوارئ وكذا الحال فى تأمين العقارات والوحدات السكنية التى تحولت إلى مخازن فى الأماكن التجارية ،فى غيبة احتياطات الحماية المدنية والأمن الصناعى نتيجة انفجار أنبوبة غاز أوماس كهربى فضلا عن حالات اختناق ووفاة وبلغت خسائرها مئات الملايين من الجنيهات.
الخبراء أكدوا أن الكود المصرى للتأمين من الحرائق مازال خارج التنفيذ خاصة للمصانع غير المرخصة فى الوقت الذى لم يعد صالحا للإطفاء وفقا للمعايير العالمية، إذ إن خسائر الحرائق تجاوزت مليارى جنيه سنويا، هذا ما يراه الدكتور أيوب مصطفى أيوب خبير واستشارى الحرائق والذى أكد أنه برغم المناداة على مدى السنين الماضية بإدخال كود الحرائق والأنظمة الحديثة غير المكلفة فإن الإطفاء ما زال مصدرا للخسائر خاصة فى المبانى الحكومية التى ليس بها أى تأمين للخامات والمعدات وحتى للعاملين أو الملفات التى تحمل مصير الأفراد, وأن ذلك يرجع إلى أنه لا رقابة على المنشآت الحديثة، فضلا عن إسناد إقامة هذه الأبنية من حيث البناء والتأمين إلى غير المتخصصين لأن المهندس الاستشارى يسند المهمة لمقاول من الباطن والذى بدوره يختصر التكاليف بكل الطرق ومنها التأمين الحديث ومنها أجهزة بأسعار لا تتعدي10-100 ألف جنيه تطفئ النار فى بداية اشتعالها أوتوماتيكيا بمجرد انبعاث الدخان ، وتقى من خسائر تتعدى 2 مليار جنيه، فضلا عن حماية أرواح الأبرياء بداخلها ,والذى يحدث الآن أن أجهزة الإنذار إذا كانت موجودة فهى بدائية حتى فى المصانع الكبرى مما يهدد بكارثة بشرية كبيرة بين عمالها فضلا عن مبانيها, وهذا ينطبق على محطات البنزين جميعها ، مع أن محتوياتها تفوق قنبلة شديدة الانفجار بما فيها من غاز وبترول مع إمكان سرعة الاشتعال والانتشار بما يمثل كارثة كبيرة بالمنطقة المحيطة.
اخطاء الطفايات
وأشار إلى أن اعتماد الهيئات والمصانع ومحطات البنزين على استخدام طفايات بمادة ثانى أكسيد الكربون فى كثير من الأحوال إذا استخدم في مناطق متسعة دون إدراك أنها تساعد على انتشار الحريق, بل يخنق العاملين بالمناطق المغلقة فتحدث وفيات ، وذلك لأن كثيرا من أجهزة الإطفاء الحالية لا تخضع للمواصفات العالمية أو حتى رقابة علمية داخلية إذ أن الكود الخاص بالحرائق فى مصر لا يطابق المواصفات العلمية العالمية مما يهدد حياة العمال والموظفين المكدسين بالمصانع والمصالح الحكومية, بل ان بعض العاملين فى الدفاع المدنى ومكافحة الحرائق غير متخصصين ، لذلك فإن المفهوم لديهم بأن الإطفاء يكون بإغراق المكان بالماء مثلما حدث فى المجمع العلمى وبطرق بدائية وتكون سببا فى التدمير أو حتى فى وفاة بعضهم.
وقال خبير الحرائق إن كثيرا من المصانع والأبنية ليس لديها خطط للتأمين بالطفايات أو مسالك طرق للهروب الآمن للتجمعات السكنية ، كما أن كثيرا ممن يعطون التراخيص فى التأمين ضد الحريق لم يحصلوا سوى على دورات قصيرة بلا علم حقيقى فى هذا المجال فاستخدام الطفايات بطريقة خاطئة يزيد الحرائق أو اختناق المواطنين خاصة طفايات ثانى أكسيد الكربون, لذلك فإن كثيرا من المواطنين أو العاملين يخشون استخدامها ولا يستخدمون الطفايات وانتظروا حضور سيارة الإطفاء التى قد تتأخر كثيرا, وتكون الكارثة هنا إذا كانت المكاتب أو المخازن تحوى أخشابا مثل مصنع العبور أو موكيت وهو منتشر بالشقق والمكاتب أو جميع المسارح والسينمات ، مما يتطلب تأمينا مزدوجا من مسارات الهروب وأجهزة إنذار شديدة الحساسية. ويمكن مع المخازن والملفات استخدام أجهزة اختزال الأكسجين إلى درجة 15% والتى توقف وتمنع الاحتراق أساسا لأن الاحتراق يكون فى نسبة 16% على الأقل لكى تشتعل النار .
وحول التدابير الوقائية من أخطار نشوب الحرائق لمنع حدوثها والقضاء على مسبباتها، يقول الدكتور حسين عبد الحى رئيس جهاز الصحة والسلامة المهنية : إن هناك أسسا لإمكانية السيطرة على الحرائق فى حالة نشوبها وإخمادها فى أسرع وقت ممكن بأقل الخسائر، ويمكن تلخيص المخاطر التى قد تنتج عن الحريق وتشمل الخطر على الأفراد من الإصابات مما يستوجب توفير تدابير للنجاة من الأخطار عند حدوث الحرارة و التدمير فى المبانى والمنشآت نتيجة للحريق وتختلف شدة هذا التدمير باختلاف ما يحويه المبنى نفسه من مواد قابلة للانتشار ، فالخطر الناتج فى المبنى المخصص للتخزين يكون غير المنتظر فى حالة المبانى المستخدمة كمكاتب أو للسكن ، هذا بالإضافة إلى أن المبانى المخصصة لغرض معين وتختلف درجة تأثير الحريق فيها ، نتيجة عوامل كثيرة ، منها نوع المواد الموجودة بها ومدى قابليتها للاحتراق وطريقة توزيعها فى داخل المبنى إلى جانب قيمتها الاقتصادية .. هذا كله يعنى أن كمية وطبيعة مكونات المبنى هى التى تتحكم فى مدى خطورة الحريق واستمراره والأثر التدميرى الذى ينتج عنه .
إضافة للخطر الذى يهدد المواقع القريبة لمكان الحريق ، ونتيجة لتعرض المواد القابلة للاحتراق التى يتكون منها أو التى يحويها المبنى لحرارة ولهب الحريق الخارجى . لذلك فعند التخطيط لإنشاء محطة للتزود بالوقود أن يراعى أن تكون فى منطقة غير سكنية أو أن تكون المبانى السكنية على بعد مسافة معينة ، حيث يفترض تعرض هذه المبانى لخطر كبير فى حالة ما إذا ما وقع حريق ما بهذه المحطة وهذا هو ما يطلق عليه الخطر التعرضى .
هيئة الأمان والسلامة
وأضاف أنه لا بد من إخضاع جميع المصانع لإجراءات هيئة الأمان والسلامة والصحة المهنية ، ولا يمكن أن نسمح بعد هذه الحوادث التى أزهقت أرواح عشرات من العاملين بتشغيل مصانع لا تطبق إجراءات الصحة المهنية والأمان والسلامة الصناعية ، وأن هذه المصانع استثمارية غير خاضعة لوزارة الصناعة أو لتفتيش الهيئة العامة للامان والسلامة والصحة المهنية بالوزارة وأن التسيب والإهمال فى تصرفات بعض العاملين يؤدى للكوارث المادية والبشرية وخراب البيوت المستعجل ، وما علينا سوى إرهاق أجهزة الدولة المدنية لإطفاء الحرائق ، وتأمين المصانع المجاورة لو أن كل مستثمر صاحب مصنع عين إدارة تطبق إجراءات الأمان والسلامة فى مصنعه وأعطاهم صلاحيات لاتخاذ إجراءات للحماية من أخطار الحرائق ، وتطبق إجراءات الأمان والسلامة والصحة المهنية ، سواء فى أثناء التشغيل للماكينات أو أثناء نقل وتداول المنتج وتخزينه ، لكان هناك أمان من الحرائق الناجمة عن الإهمال، فالحكومة لا تتحرك إلا رد فعل لحادث كبير ، ولكن لا تتخذ إجراءات استباقية مثل التفتيش الدورى وتدعيم إدارات السلامة والأمن الصناعى والحريق بالمنشآت الصناعية ، فقد توفى عدد كبيرمن العمال فى أيام معدودة ، ولابد أن نحدد مسئولا عن سبب الحرائق من أول مصنع الاسطوانات إلى واقعة الحريق ووضع تقارير عن الحريق والقضاء على فكرة الماس الكهربائى ، فنقرأ اليوم خبرين، يوميا عن »حريق هائل بمصنع أو في شقة بشارع وكلها بعنوان واحد هو الإهمال ، فلا ننسى حادث حريق مجلس الشورى ، وقطار البدرشين ، وقطار منفلوط وعشرات الكوارث شبه اليومية والمسئول مجهول تضاف إلى مركب الوراق ومصنع العبور ، مطالبا بضرورة إقامة هيئة تطبق المعايير العالمية لمنح الاعتمادات وتحديد المواصفات الخاصة بالإنذار والإطفاء, وتركيب الأجهزة المناسبة حسب كل منشأة ، لأن المصنع يختلف عن المستشفى والمؤسسة الإدارية وغير ذلك, وتحديد احتمالات الحرائق سواء بالكابلات الكهربائية أو الأبنية ووسائل التعامل مع الخامات وتأمين الإنسان ، فالتخطيط للحماية من الحرائق لا يتكلف أكثر من 4 ملايين جنيه بالهيئات الكبرى والوزارات والمؤسسات.
وأشار رئيس جهاز السلامة والصحة المهنية إلى أن هناك أسبابا كثيرة للحرائق على رأسها الجهل والإهمال واللامبالاة والتخرين السيئ وتعريض المواد القابلة للاشتعال أو تركيز الأبخرة والغازات والأتربة القابلة للاشتعال فى وجود سوء التهوية.أو حدوث شرر أو ارتفاع غير عادى فى درجة الحرارة كما يحدث فى هذه الأيام نتيجة الاحتكاك فى الأجزاء الميكانيكية.والماس الكهربائى ووجود مواد سهلة الاشتعال بالقرب من أجهزة كهربائية تستخدم لأغراض التسخين ،أو إشعال النار بالقرب من الأماكن الخطرة أو بحسن النية أو رمى بقايا السجائر، ترك المهملات والفضلات القابلة للاشتعال بمنطقة التصنيع والتى تشتعل ذاتياً بوجود الحرارة.ووجود نفايات سائلة وزيوت قابلة للاشتعال على أرضيات المصنع.ووجود الخشب والورق والقماش ، وسائل وشبه سائل مثل الشحوم بجميع أنواعها والزيوت.البنزين.الكحول، أو غاز البوتان.الاستلين.الميثان. كما أن ارتفاع درجة الحرارة إلى درجـة الاشتعال ومصدر الشرر، واللهب، والاحتكاك، وأشعة الشمس، والتفاعلات الكيميائية مع توافــر الأكسجين فى الهواء الجوى بنسبة 19-21%.
تبريد الحرائق
ويضيف اللواء محمد حسين نائب رئيس هيئة الدفاع المدنى السابق أن نظرية الإطفاء تعتمد على تبريد الحريق بتخفيض درجة حرارة المادة المشتعلة، وذلك باستخدام المياه على الحريق وامتصاص الماء لحرارة المادة المشتعلة فيها النار ، فترتفع حرارته إلى أن تصل إلى الغليان وتحوله إلى بخار يفيد ذلك فى كتم النيران بإنقاص نسبة أكسجين الهـواء ، مع ضرورة غلق منافذ وفتحات التهوية بمكان الحريق للتقليل من نسبة الأكسجين فى الهواء بما لا تسمح باستمرار الاشتعال ، واستخدام الرغاوى الكيماوية، ومنع الأكسجين بتكثيف بخار الماء أو ثانى أكسيد الكربون أو المساحيق الكيماوية الجافة أو أبخرة الهالوجينات ، كما يمكن إطفاء الحريق بفصل اللهب عن المادة المشتعلة ، ونقل البضائع والمواد المتوافرة بمكان الحريق بعيداً عن تأثير الحرارة واللهب مثل سحب السوائل القابلة للاشتعال من الصهاريج الموجود بها الحريق ، أو نقل البضائع من داخل المخازن المعرضة لخطر وحرارة الحريق، أو إزالة النباتات والأشجار بالأراضى الزراعية لوقف سريان وانتشار الحريق ،وإبعاد المواد بعيداً عن المجاورات القابلة للاشتعال لخطر الحرارة.
كما يمكن مواجهة الحريق حسب المادة المحترقة ففى المواد الصلبة كالورق والخشب والأقمشة وغيرها من الألياف النباتية ، وهى تحترق على هيئة جمرات متوهجة ، وهى مسامية ويسهل عليها أن تتشرب الماء بما يسرع تبريدها بالماء ، أما الحرائق التى تحدث بالسوائل أو المواد المنصهرة القابلة للاشتعال ولأجل تحديد أنسب مواد لإطفاء هذه الحرائق يمكن تقسيم السوائل القابلة للالتهاب فيتنوع الإطفاء بين رشاشات المياه أو الرغاوى أو أبخرة الهالوجينات أو ثانى أكسيد الكربون أو المساحيق الكيماوية الجافة .وبالنسبة لحرائق الغازات القابلة للاشتعال وهى الغازات البترولية المسالة كالبروبان والبيوتان ، تستخدم الرغاوى والمساحيق الكيماوية الجافة لمواجهة حرائق الغازات فى حالة السيولة عند تسربها على الأرض، وتستخدم أيضا رشاشات المياه لأغراض تبريد عبوات الغاز ، وبالنسبة للحرائق التى تحدث بالمعادن فلا تستخـدم المياه لعدم فاعليتها ، وكذلك غاز ثانى أكسيد الكربون أو المساحيق الكيماوية الجافة على البيكربونات ، ويستخدم مسحوق الجرافيت أو بودرة التلك أو الرمل الجاف أو أنواع أخرى من المساحيق الكيماوية الجافة ، لإطفاء هذا النوع من الحرائق ، أما بالنسبة للحريق بالماس والأجهزة الكهربائية فنبدأ بفصل التيار الكهربائى قبل إجراء عملية الإطفاء .مع استخدام وسائل الإطفاء التى تتناسب مع نوعية المواد المشتعلة فيها النار.