كيفية إدارة الأزمات في مصر
الدكتور عادل عامر
شهدت مصر خلال العقدين الماضيين العديد من الكوارث، بما فيها الزلازل والسيول وحوادث النقل والحرائق الكبرى. وقد تسبَّبت هذه الكوارث في خسائر فادحة وأثَّرت في كل من الاقتصاد القومي والمجتمعات المختلفة. بالإضافة إلى ما تواجهه البلاد من مخاطر جديدة تتمثل في ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب التغيرات المناخية. قد تظهر الأزمة كنتيجة لغياب السياسة أو الخطط أو عدم الرشد في اتخاذ القرارات أو لأسباب أخرى عديدة قد تخرج عن سيطرة الإدارة .
وهناك العديد من المناطق الساحلية مهددة بارتفاع منسوب سطح البحر ولاسيما في دلتا نهر النيل. وقد بادرت الحكومة المصرية بتطوير منظومة وطنية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها عن طريق اتخاذ عدد من التدابير والخطوات ذات الصلة آخذين في الاعتبار ما يلي:
-الاتفاقيات والإستراتيجيات الدولية، وفي مقدمتها الإستراتيجية الدولية للحدّ من الكوارث وإطار عمل هيوجو (2005 - 2015) ومبادرة الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث الطبيعية للعقد (1990 - 1999).
-لا تقتصر الأزمات والكوارث على منطقة محددة من العالم أو على البلدان النامية دون البلدان المتقدمة. ومع ذلك، فإن الخسائر تعتبر أكبر في البلدان النامية عنها في البلدان المتقدمة.
-إن أي نجاح في إدارة الأزمات والكوارث يعتمد أساساً علي اتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير الاحتياطية في مرحلة ما قبل الأزمة/ الكارثة؛ الاحتواء أثناء الأزمة/ الكارثة، وإعادة التأهيل في مرحلة ما بعد الأزمة/ الكارثة.
مصر: أزمة إدارة الأزمة
لم يمر حدث عاصف في مصر إلا وكان كاشفاً عن شلل الدولة المصرية في إدارة الأزمات، لذا بات ملحاً إعادة هيكلة هذه الدولة، وتدريب عناصرها على سرعة التجاوب مع الأزمات (اليابان أنجح دول العالم في ذلك، والنموذج الذي يحتذي به). وفي كل أزمات الدولة المصرية، بات واضحاً ترهل الجهاز الإداري وعقمه لا وفي إطار اهتمام الدولة بتنمية وتطوير منظومة قومية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها، أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 1537 لسنة 2009 لتشكيل اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها. وذلك لتفعيل الإطار المؤسسي الوطني الذي يتماشى مع متطلبات الإستراتيجية الدولية للحدّ من الكوارث فيا يُعرف باسم "المنتدى الوطني للحدّ من مخاطر الكوارث". وقد حدَّد القرار أهداف واختصاصات ومهام اللجنة، كما ينص القرار أيضاً على أن يتم إنشاء لجنة استشارية تضم علماء ومتخصصين لتقديم المساعدة التقنية والعلمية للجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها. هذا وتجدر الإشارة إلى أن الإطار المؤسسي لإدارة الأزمات والكوارث والحد من أخطارها في مصر يضم العناصر الرئيسية التالية:
1. اللجنة الوزارية العليا لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها، برئاسة دولة رئيس مجلس الوزراء وعضوية بعض الوزارات الرئيسية المعنية.
2. اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها السابق الإشارة إليها، والتي تضم في عضويتها الجهات والهيئات التالية:
•ممثلين لجميع الوزارات.
•ممثلين لجميع المحافظات (الإدارة المحلية).
•ممثلي بعض الهيئات المعنية.
•ممثلي المجتمع المدني والهلال الأحمر المصري وممثل عن القطاع الخاص.
ويرأس اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحد من أخطارها خلال مرحلة ما قبل الأزمة/ الكارثة وما بعدها السيد رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء، ويرأس اللجنة أثناء الأزمة/ الكارثة الوزير المختص المعني بإدارة الأزمة/ الكارثة وفقا لنوعها.
3. اللجنة الاستشارية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها، وتضم في عضويتها مجموعة من أبرز الخبراء والعلماء والمتخصصين في مجالات متعددة ذات صلة بإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها، وتُقدِّم هذه اللجنة المساعدة التقنية والعلمية للجنة القومية، ويرأسها رئيس قطاع إدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء.
4. قطاع إدارة الأزمات والكوارث والحد من أخطارها بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء.
ويمكن تلخيص أهم الإنجازات والأنشطة في مجال إدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها في مصر على النحو التالي:
•الإستراتيجية الوطنية لإدارة الأزمات والكوارث والحد من أخطارها: وقد أُعدَّت الإستراتيجية من أجل تطوير وتحسين المنظومة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها وتنسيق الجهود على جميع المستويات والمؤسسات والقطاعات الوطنية، فضلا عن التشديد علي المشاركة الجماعية وتحقيق أهدافها الرئيسية والأولويات. وتوضح الإستراتيجية أهمية التعاون الإقليمي والدولي في مجال إدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها. وقد اعتمدت الإستراتيجية في إعدادها على منهجية تحليل الوضع الحالي والأهداف المرجوة مع شرح الإنجازات المحققة ذات الصلة.
•الإستراتيجية القومية لرفع الوعي المجتمعي في مجال الحد من المخاطر ومواجهة الأزمات والكوارث: وتم إعدادها بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وهي إستراتيجية اتصالية تهدف إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي نحو الحدّ من المخاطر. ومن الجدير بالذكر أن هذه الإستراتيجية تنطبق على جميع أنواع الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان التي يمكن أن تتعرض لها البلاد.
•خطة العمل الوطنية للتدريب لتنمية القدرات في مجال إدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها في مصر: والتي تمّ إعدادها بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. وتركز الخطة على تنمية القدرات لدعم الإستراتيجية الوطنية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها لضمان تنفيذها بكفاءة وفاعلية. وتحتوى نتائج خطة التدريب على توصيات لنماذج دورات للأفراد والمنظمات التي تغطي عملية التأهب للكوارث لتحقيق الاستجابة الفعالة وإدراج الحدّ من مخاطر الكوارث في عملية التنمية. وقد أعطت الإستراتيجية أولوية كبيرة لتدريب المدربين مع الأخذ في الاعتبار الاحتياج لتبادل الخبرات الدولية والتدريب عبر الإنترنت والمناهج التعليمية.
•الإستراتيجية الوطنية للتكيُّف مع التغيرات المناخية والحدّ من أخطار الكوارث الناجمة عنها: وتم إعدادها بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة من خلال مشاركة مجموعة متميزة من الخبراء والمتخصصين المصريين في إعداد هذه الإستراتيجية. وقد ركَّزت الإستراتيجية على القطاعات الرئيسية ذات الأهمية واليت تعتبر أكثر القطاعات تأثرا بالتغيرات المناخية، وهي: الموارد المائية، والزراعة، والصحة والسكان، والسياحة، والمناطق الحضرية والإسكان والطرق، بالإضافة إلى المناطق الساحلية والتي تواجه مخاطر كبيرة بسبب احتمالات ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة التغيرات المناخية. كما اهتمت الإستراتيجية بارتفاع مستوى سطح البحر وارتفاع درجة الحرارة فضلا عن الأحداث المناخية المتطرفة (Extreme Events).
•وفي ضوء ما يشهده العالم من أحداث مناخية متطرفة في الفترة الأخيرة، والتي كان من بينها موجات الطوفان البحري (تسونامي) في اليابان، فإن جمهورية مصر العربية تعمل حاليا على تطوير منظومة وطنية متكاملة لمواجهة احتمالات حدوث موجات تسونامي خاصة في البحر المتوسط بما في ذلك إنشاء كيان مؤسسي وطني للإنذار المبكر. ونتطلع في هذا الصدد أن تقدم الجهات الدولية المتخصصة الدعم لمصر في هذا المجال.
•هذا وقد تم إعداد عدد محدد من الخطط لإدارة الأزمات/ الكوارث والحدّ من أخطارها وقد دخلت حيز التنفيذ مثل:
1. دليل الإجراءات العامة في مصر لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها.
2. خطة الطوارئ لمواجهة الكوارث النيلية والحدّ من أخطارها.
3. خطة الطوارئ لمواجهة الحرائق الكبرى والحدّ من أخطارها.
4. الخطة القومية في مصر لإدارة كارثة السيول والحدّ من أخطارها.
5. الخطة القومية لمواجهة الزلازل والحدّ من أخطارها.
6. خطة الطوارئ الوطنية لمواجهة وباء الأنفلونزا.
7. دليل إجراءات الحدّ من أخطار الكوارث وعمليات الإخلاء في المراكز التجارية الكبرى.
•وجاري الانتهاء من مجموعة أخرى من الخطط مثل:
1. الخطة القومية لمواجهة ظاهرة الجفاف في مصر والحدّ من أخطار الكوارث الناجمة عنها.
2. الخطة القومية لإدارة مخاطر السكك الحديدية والحد من أخطار الكوارث الناجمة عنها.
3. الخطة القومية لإدارة مخاطر مترو الأنفاق والحدّ من أخطار الكوارث الناجمة عنها.
•ومن ناحية أخرى، ونتيجة للأعداد الكبيرة للمناطق العشوائية (المستوطنات غير الرسمية) في مصر، فإن صندوق تطوير المناطق العشوائية (ISDF) - بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء - يقوم حالياً بمشروع لتقييم شامل للمخاطر بجميع المناطق العشوائية.
•في مجال التعاون الدولي، تتعاون مصر مع معظم المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة مثل: البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP، الإستراتيجية الدولية للحدّ من الكوارث ISDR، والمنظمة البحرية الدولية IMO، برنامج الغذاء العالمي WFP، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة UNICEF، البنك الدولي WB، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA.
وفي النهاية تتطلع حكومة جمهورية مصر العربية إلى تنمية وتطوير التعاون مع كافة المنظمات الدولية والإقليمية في مجال بناء القدرات وأنشطة التدريب، بما في ذلك:
1. تقديم الدعم الفني لتنفيذ خطة العمل الوطنية للتدريب والتي تمَّ إعدادها بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.
2. المساعدة في وضع منهجية/ منظومة قومية لتقييم الأضرار والخسائر الناتجة عن الكوارث.
3. تبادل الخبرات المكتسبة في تنفيذ وتطوير الإستراتيجية القومية لرفع الوعي المجتمعي في مجال الحدّ من المخاطر ومواجهة الأزمات والكوارث.
. تنقسم إدارة الأزمة إلى ثلاث مراحل: مرحلة ما قبل الأزمة: فيها يتم الإعداد لكل الأزمات التي يمكن أن تواجهها الوزارة أو الجهة التنفيذية أو الفروع التابعة لها. في هذه المرحلة يتم تحديد الفرق بين الحالة الطارئة والأزمة والكارثة، وهي ثلاثة عناصر لا بد أن تتعايش معها الجهة وتضع لكل منها الخطط المناسبة. الحالة الطارئة هي جزء من تركيبة العمل اليومي، حيث تستدعي إيجاد إدارات تتعامل معها وتتخصص فيها، وتستطيع أن تحل الحالات الطارئة بمختلف أنواعها. أقرب ما يمكن أن نمثل به هو أقسام الطوارئ في المستشفيات أو شركات الخدمات. يوضع للحالات الطارئة تصنيف وإجراءات عمل واضحة ومستديمة، وتوفر للتعامل معها الإمكانات بشكل فوري؛ حتى لا تكون صداعاً يشغل كبار المسئولين عن أعمالهم الأكثر تعقيداً. تستطيع المنظومة بشكل عام أن تتعامل مع الحالة الطارئة بإمكانات الإدارات والتجهيزات المتوافرة مثلها مثل أقسام الطوارئ وما تحويه من أطباء وطواقم تمريض ومختبرات وأقسام وغرف عمليات وغيرها.
خلال هذه المرحلة يتم التعرف على الأزمات التي يمكن أن تواجهها المنظومة من خلال تكوين فريق الأزمة الذي يشمل ممثلين لكل أجهزة الوزارة وفروعها، ويمكن أن يضم استشاريين متخصصين في التنبؤ والدراسات الإحصائية. يقوم فريق إدارة الأزمة بتنفيذ مهام أساسية قبل الأزمة تشمل:
- تحديد الأزمات التي يمكن أن يواجهها القطاع: وهي عملية تتم بناءً على أساليب علمية وإدارية ترتكز إلى معرفة الواقع، والمقارنة بالماضي والتعرف على كل المؤثرات الداخلية والخارجية، إضافة إلى البناء على دراسات سابقة وحالات واقعية حدثت في دول أخرى، مثل الفيضانات والأعاصير وأعمال التخريب.
لا بد أن يكون فريق الأزمة من القدرة والمعرفة والتمكن بحيث يستطيع أن يقدم جرداً لكل أزمة يمكن أن تقع في الدولة.
- تحديد مؤشرات حدوث الأزمة: وبالتطبيق على الحالة المصرية يمكن توقع كثير من الأزمات التي واجهتها الدولة قبل وقوعها من خلال المؤثرات الجانبية
- تحديد أساليب التعامل مع الأزمة: هنا يتم تحديد إجراءات محاصرة الأزمة وحلها تضع في حسبانها نوع الأزمة وحجمها والمتأثرين بها والمسببين لها والعوامل المحيطة. يمكن في هذه المرحلة تنفيذ سيناريوهات للأزمة وتدريب الجميع عليها من الوزير إلى أصغر الموظفين، وقد يطول ذلك المقاولين وذوي العلاقة بالجهة.
مرحلة حدوث الأزمة: يستمر العمل في هذه المرحلة في مراقبة المؤشرات الدالة على حدوث الأزمة. يغلب على جميع الأزمات ظواهر دالة لا بد أن تكون تحت المراقبة، وهي مثل أجهزة مراقبة الزلازل، لكنها إدارية تأخذ في الحسبان إشارات قد لا تكون واضحة لغير الخبير. يجب أن تكون لدى الوزارة أساليب لمراقبة الوضع والإبلاغ عن أي شذوذ.
يبدأ المسئولون في التعامل مع الأزمة بمحاصرتها بداية من الناحية الجغرافية والإدارية والبيئية حسب المخطط، ويتم تفعيل مركز إدارة الأزمة الذي يوجد فيه أكبر المسئولين، ويحصل على المعلومات من جميع نقاط الرصد الموجودة، أو التي تضاف عند حدوث الأزمة. يتم خلال هذه المرحلة إصدار القرارات بطريقة تفاعلية واضحة.
توثق جميع القرارات من خلال إعلانها في المركز وتسجيلها في قائمة التسلسل الزمني الذي يسجله فريق الأزمة.
. إن انقطاع التيار الكهربائي الذي ضرب معظم مناطق البلاد اليوم أسفر عن وقف وسائل النقل العام كبعض خطوط مترو الأنفاق الذي يستخدمه ملايين المصريين في تنقلاتهم أن الطاقة هي “قضية سياسية مشتعلة” مع شيوع انقطاع التيار حتى في العاصمة.
المزيد على دنيا الوطن .. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/09/11/341546.html#ixzz3D3blsuzX
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق